الجمعة، 8 يوليو 2011

عبد الرحمن أبو العطا : حقوق الإنسان بضاعة وثمن

منذ انهيار بقايا الأخلاق الحسنة في أوروبا بعد انتهاء تحكم الكنيسة في حياة الناس _بما لم يأذن به الله_، وتفشي وباء الإباحية انتقلت الحياة من محاكم التفتيش إلى تفتيش الجيوب، و أفرغت كل تفاصيل الحياة من محتواها الإنساني حتى تقولبت الأخلاق لخدمة المادية (الرأسمالية) المجردة من الآدمية.

وتحولت حقوق الإنسان إلى أخطر تجارة في هذا الزمان حتى أنها باتت الورقة الرابحة في يد المؤسسات الدولية الغربية لمحاربة أية دولة أو شعب أو منظمة تخرج عن نطاق السيطرة اقتصادياً أو سياسياً _في المقام الأول_ بينما إسرائيل وأميركا لا تخضعان لذات المعايير رغم انتهاكهما لحقوق الإنسان وارتكابهما لجرائم تقشعر لها الأبدان.
فأميركا قامت على جماجم (15) مليون هندي أحمر من سكان البلاد الأصليين وفي حربها على فيتنام قتلت (160) ألف شخص ، وعذبت وشوهت (700) ألفاً وهاجمت (46) قرية بالمواد الكيماوية السامة ، وأبادت أميركا سكان هيروشيما وناجازاكي باليابان (140.000) إنساناً ، وحاصرت العراق وحرمت أطفاله الغذاء والدواء ما تسبب في وفاة (2) مليون طفل ثم احتلته وقتلت للآن نحو مائة ألفاً وعذبت أسراه وأهانت كرامتهم، وتحتل أيضاً أفغانستان حيث هدمت عشرات القرى فوق ساكنيها وقتلت نحو (15000) طفلاً أفغانياً، وجرائمها في العالم أكثر من ذلك بكثير.
لقد وجدت نفسي ملزماً بالحديث عن أوروبا وإسرائيل وأميركا والمؤسسات الدولية الغربية في إطار تعليقي على انضمام المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى منظمات إسرائيلية ودولية في المطالبة بتوفير اتصال بالجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط وتأمين ظروف اعتقال ملائمة له وفقا للقوانين والأعراف الدولية؛ مما يسهّل اكتشاف مكانه باستخدام التقنيات الحديثة.
وذلك لأن هذه المطالبة مبنية بالطبع على مواثيق دولية تعدّ قيوداً مفاتيحها بأيدي الأمريكان لا تلزمنا أصلا لأنها ضعيفة أمام استعادة حقوقنا ولكونها قاصرة في فهمها للمتطلبات البشرية ومرتبطة بأفكار وثقافات مخالفة بشكل جذري لثقافتنا وأفكارنا القائمة على أساس متين وهو الإسلام والأخلاق العربية التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمّمها بما جاء به الوحي.
والسؤال لماذا لا يسعى هؤلاء سعياً حقيقياً لا إعلامياً لمحاكمة دولة الاحتلال "إسرائيل" على جرائمها؟ ؛ ومن بينها احتجاز أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني في ظروف لا إنسانية بينهم (33) امرأة و(300) طفل وتمارس سلطات الاحتلال ضدهم نحو سبعين نوعاً من التعذيب الجسدي والنفسي وبعض الأسرى يُعزل لسنوات في زنزانة ضيقة، ويُحرم أهالي الأسرى من قطاع غزة وجزءٌ من الضفة منذ نحو خمس سنوات من زيارتهم.
وأنا لا ألوم بالمناسبة المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فهو لا يملك أمر نفسه و أراه مجبراً في التوقيع على مثل هذه الوثيقة لأنّ تمويل برامجه يأتي في أغلبه من دول تربطها علاقات وثيقة بإسرائيل وتسعى منذ سنين طويلة لتثبيتها في المنطقة، وهي مهتمة بوضوح بقضية الأسير الصهيوني بشكل يفوق مئات آلاف المرات اهتمامها بشعب غزة المحاصر فضلا عن اعتنائها بالأسرى الفلسطينيين.
وأرى أن استمرار الضغط الذي تمارسه المؤسسات الغربية المتاجرة بحقوق الإنسان على المؤسسات الصديقة المحلية بما يخدم مصالح الأعداء إسرائيليين وأمريكان جعلها تتقزم وزجَّ بها في الزاوية حتى فقدت مكانتها في مجتمعنا فإن لكل تجارة رخيصة ثمناً باهظاً.
ولا أظن أنَّ على خاطفي شاليط أن يهتموا لهذه الترهات التي لا تلقي بالاً لمعاناة أسير ولا تكترث بآلام أولاده وبناته وزوجاته ولا تلتفت لحرقة في قلب أمه وغصة في قلب أبيه؛ بل يتجاهلونها مثلاً بمثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في قطاع غزة

----------------------------------------------
 المدونة ليست مسئولة - المقال يعبر عن رأي الكاتب يمكنك التعليق على المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق