السبت، 9 يوليو 2011

السنوسي : القربان - إهداء لثوار ليبيا

من يحلم يصبح أثيرياً، يبعد عن ناموس الجاذبية المكبِّل له على الأرض، وينطلق نحو عوالمٍ مثيرةٍ للدهشة، وفائقة العجب؛ ويشبه هذا الحالِمُ مسافراً يكتشفُ أنّ نقطة الوصول هي ذاتها نقطة الانطلاق، مثلما يسافر الزمن عبر الفصول، فما يكاد ينتهي إلّا لكي يبدأ من جديد. في الحلم يمكن أن تعود إلى الوراء؛ أمّا السفر فهو ذهابٌ إلى الأمام، وانقطاع عن المألوف أو فراراً منه، كماءٍ سلسبيل هجر منبعه ولن يعود إليه.


قام شباب بلادي بالاثنيْن معا... حَلُموا بالثورة ونَفَضوا عن إرادتهم سُباتاً دهْرِياً مَديداً، وانطلقوا يجوبون الدنيا بحثاً عن آلهةٍ لها جناحان سماويان، وكفّتان متوازيتان، اسمها الحرية والعدالة. اشترطت الربّةُ لكي تعيش على الأرض بينهم تقديم قربانٍ يتمثّل في الإتيانِ برأسِ تنينٍ عاث في الأرض فساداً وحرقاً، وقتلاً وهولاً، لم يُبقِ على زرعٍ ولا ضرع؛ وكان نهماً لا يكتفي، يحبُ الخوضَ في الدماء، وما لا يستطيع التهامَه يحرقه. قَفَلَ الشبابُ الثائرُ إلى بلادهم، وحرصوا على التزّود بدعوات الأرامل، وبزغاريد الثكالى، وتكبير الأيتام، ثم شدّوا مطاياهم مصحوبون بحفنةٍ من عِشْق أرضهم، وشهقةٍ من هواها، وطافوا يجوبون رُباها بحثا عن الكائن المِسخ المتحصّن بمغارات تحت الأرض، لها سراديبُ أفعوانيةٌ مظلمةٌ تهبط إلى سُرّة الأرض؛ بيد أنّ الثوار بدأوا رحلة قَنْصِهِم، ولن يعودوا إلّا بهذا الرأس المُلْتاثِ رغم قُبحه وبشاعته.  


----------------------------------------------
 المدونة ليست مسئولة - المقال يعبر عن رأي الكاتب يمكنك التعليق على المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق