الأربعاء، 27 يوليو 2011

طغاة العالم … تشابهت قلوبهم

طغاة العالم … تشابهت قلوبهم  

    لكل طاغية حكاية ، ولكل حكاية بداية ونهاية ، وقد تختلف البدايات والنهايات في شكلها ، إلا أن الدروس المستفادة والعبرة منها واحدة ، وإن كانت بنكهات مختلفة ، فالتاريخ ملئ بقصص الطغاة والظلمة ، وكثيرا ما تتشابه أقوالهم وأفعالهم ، ولكنهم لا يحسبون حسابا لعاقبتهم ومآلهم ، وقد رأيت أن الطاغية القذافي قد تشبه بخلَفه من الطغاة الأولين ، كفرعون وقارون وغيرهم ،
بل زاد على ذلك ، وأثرى سجل الطغاة بأقوال وأفعال كثيرة ، فقد أضاف إلى قواميس الطغاة عبارات وكلمات جديدة ، واخترع وابتدع أشياء لم يسبقه إليها ، أحد فهي من براءة اختراعه هو، فليحذر الطغاة الجدد من التقليد ، وقد استحق عليها لقب " طاغية القرن "   بلا منازع ، فهو في القمة ، أقصد قمة الطغاة .

-         تشابهوا في الاستخدام المفرط للقوة :
         فعندما خرج شباب ليبيا الأحرار مطالبين بالحرية والعيش الكريم ، وانظم إليهم بعض قيادات نظام الطاغية القذافي ، وتبرأ بعض أعوانه من كفره وشركه وشروره وظلمه ، وسمعوا وفهموا ووعوا نداء الشباب الثائر، فما كان من الطاغية القذافي إلا أن خرج علينا من جحره القديم وهو يقول : إن هؤلاء ليسوا ثوارا ، إنهم ممن يتعاطون حبوب الهلوسة ،وهم عصابات إجرامية ، وأعضاء في تنظيم القاعدة ، وأنه سيزحف على مدن ليبيا هو والملايين من أعوانه من الأمم الأخرى ، ثم استرسل ولسان حاله يقول : لأقتلن أبنائكم واستحيي نسائكم ولأقذفنكم بالمدافع والهاون والراجمات وصواريخ القراد والقنابل العنقودية ، ولأقسمن ليبيا شرقا وغربا ولتدخلن في حرب أهلية ، ولأدمرن منشآت البترول والغاز ، ولأفنينكم زنقة زنقة وبيتا بيتا ودارا دارا وشبرا شبرا فردا فردا ، فقال الثوار لا ضير، إنا على درب الحرية لسائرون ،   وإن الله على نصرنا لقدير، وإنا لن نرضى على ظلمك ما دمنا فيها ، فإما أن ننتصر وإما أن نموت ، وقد نطق فرعون بهذا المعنى عندما جمع السحرة ليسحروا موسى وأتباعه  ،قال الله تعالى في قصة فرعون : ( فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب موسى وهرون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن  نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحيوة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى )وقال أيضا " إِنَّ ‏فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ‏وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ ‏مِنْ الْمُفْسِدِينَ"      ( القصص ) .

-         تشابهوا في التكبر والغرور والعلو في الأرض :
      زعم الطاغية القذافي أنه رسول من الصحراء ، وزعم أنه المجد ، والصقر الوحيد  ، وملك الملوك ، وعميد القادة العرب … إلخ ، فقال أيها الليبيون ما عهدت لكم من قائد غيري ، فهو يرى أن كل ما يفعله وما يتخذه من قرارات هو الحق بعينه ، وما عداه هو الباطل ، وكأن ما توصل إليه هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فأمر أعوانه و كتائبه بقتل الثوار وسحقهم ، فأطاعوه وأعانوه على ظلمه وعدوانه وزادوا على ذلك ، قال الله عن فرعون : ( قال أنا ربكم الأعلى ) وقال جل شأنه : ( يا قوم ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .

-         تشابهوا في وصف شعوبهم :
 فقد وصف الطاغية القذافي أبناء ليبيا بالجرذان والمهلوسين والمقملين ، كما وصف فرعون موسى وأتباعه بالشرذمة  ، قال تعالى (فأرسل فرعون في المدائن حشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) .

-         تشابهوا في قوانينهم الخاصة :
قام الطاغية القذافي بإلغاء الدستور الليبي ، واستبدله بقوانين ومقولات وتخاريف أطلق عليها اسم " الكتاب الأخضر " وما يسمى بـ "الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان " وغيرها وتعتبر تخاريفه التي تسمى " توجيهات القائد " في المناسبات بمثابة القانون الواجب التنفيذ ويعتبر الخروج عليها خيانة وكفرا ، كما أنه دائما ما يسوق التبريرات لتصرفاته ،  فقد قال الطاغية للعالم : ذروني أقتل الثوار كما فعل غيري من الرؤساء من قبل ، فاستدل ببعض الأحداث التي وقعت في دول مختلفة من العالم ، وأن له الحق في أن يفعل بثوار ليبيا كما فعل الأمريكان بالفلوجة في العراق ، عندما قاموا بقصفها بالطيران ، وكما فعلت روسيا عندما قامت بدك مبنى البرلمان بالمدفعية دكا وبعض أعضائه معتصمون داخله ، وكما فعلت الصين بالطلبة الذين اعتصموا داخل المدرسة فقتلتهم بالغازات السامة …إلخ ، واسترسل الطاغية القذافي ولسان حاله يقول : إني أخاف أن يبدلوا النظرية العالمية الثالثة وأن يظهروا في جماهيريتي الفساد ، وكذلك زين للطاغية القذافي سوء عمله وتشبث بكرسيه وسلطانه ، فقد أراد فرعون قتل موسى بحجة أنه سيبدل دين آبائه الأولين وسيظهر في الأرض الفساد ، قال تعالى :( قال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ) .
-         تشابهوا في البغي والإستيلاء على الثروات :
قام الطاغية القذافي بكنز الأموال داخل ليبيا وخارجها ، وبغى على الليبيين خلال أربعين عاما عجافا ونيف،  كما فعل خلفه قارون ، فقد آتى الله الشعب الليبي من الثروات والكنوز ما يجعله في قمة أغنياء شعوب الأرض في هذا العصر، لو تم استثمارهذه الثروات بالشكل الصحيح ،   إلا أن الطاغية القذافي استعمل هذه الثروات في غير موضعها ، تلبية لأهواءه وتنفيذا لرغباته وكنز البعض الآخر في أكبر بنوك العالم ، في سويسرا وغيرها حتى نائت هذه البنوك بحمل هذه الأموال ، وزعم الطاغية القذافي أنه قد أوتي هذه الأموال بعلمه هو وليس لليبيين حق فيها إلا ما تصدق به عليهم من الفتات ، كما أنه غض الطرف عن السرقات والاختلاسات التي قام بها أعوانه وزبانيته ، وإن السفيه الذي لا يحسن إدارة أمواله لهو خير منه تصرفا ، ونسي الطاغية القذافي أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ، قال تعالى في قصة قارون ( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة …. الآية  ) .
-         تشابهوا في المنِ على شعوبهم :
            دائما ما يمن الطاغية القذافي على أبناء شعبه بالإنجازات والمشاريع التي تم إنشاؤها في عهده ، وبالفتات الذي يتقاضونه مقابل أدائهم لأعمالهم ، فقال الطاغية : أنا من بنيت مدينة بنغازي طوبة طوبة وأنا من أنشات لكم النهرالصناعي العظيم على حد وصفه ، وقد قال فرعون ذلك لقومه من قبل ، قال تعالى ( قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ) وقال جل شأنه في منِِِ فرعون على موسى ( قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ) .
-         تشابهت نهايتهم :
   وأخيرا … فقد جرت سنة الله تعالى أن يمهل الطغاة ويمدهم بأسباب القوة والقدرة على الحرب كيدا ومكرا بهم ، لا حبا لهم ، ثم يأخذهم على حين غرة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ، وقد رأينا نهاية فرعون وها نحن اليوم في انتظار نهاية طاغية القرن .

كتبها / عبدالباسط بعيو ( مصراتي حر ) 2011



----------------------------------------------
 المدونة ليست مسئولة - المقال يعبر عن رأي الكاتب يمكنك التعليق على المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق